خلق فرص العمل في إقليم كوردستان .... التحديات والمعالجات


د. نافسر عبدالقادر عبدال

المعهد التقني الاداري

مقدمة:

ان عدم قدرة حكومة اقليم كوردستان على استيعاب اعداد الخريجين من المعاهد والجامعات و عجزها عن تعينهم منذ عام 2014 لحد الان ، وعجز القطاع الخاص ايضا عن توظيف هذه الاعداد ، ادت الى ازدياد معدلات البطالة وبوتيرة متصاعدة حتى وصلت إلى (16.5%) عام 2021 حسب بيانات هيئة إحصاء التابعة لوزارة التخطيط في حكومة إقليم كوردستان، علماً أن المعدل العالمي المسموح به للبطالة هو 6% وهي نسبة طبيعية وأمنه والدليل وجود هذه النسب أو تجاوزها قليلاً في غالبية البلدان الصناعية المتقدمة أو البلدان التي لا تعاني اقتصادها من مشاكل التنمية أو معوقات الأداء. علماً أن مفهوم البطالة يتناقض مع مفهوم فرص العمل.

ومن المعلوم أن البطالة لها أنواع كثيرة مثل البطالة الإحتكاكية والبطالة الموسمية والبطالة الهيكلية والبطالة المقنعة والبطالة الدورية إلا أن النوع السائد في العراق والإقليم هي البطالة الهيكلية والمقنعة، والبطالة الهيكلية هي الناجمة عن المشاكل الهيكلية داخل الاقتصاد وعدم الكفاءة في أسواق العمل، وتحدث عندما لا يكون سوق العمل قادراً على توفير وظائف لكل من يبحث عن عمل، ويكون هناك عدم توافق بين مهارات العمال والمهارات المطلوبة للوظائف. أما البطالة المقنعة فتعني وجود أعداد متزايدة من الموظفين داخل دوائر الدولة من غير أي إنتاجية ملموسة . فأصحاب الأعمال يؤكدون أن غالبية المشاريع الحكومية هي مشاريع عشوائية، ويؤكد عدم وجود التوسع الأفقي أو العمودي في الإستثمارات، بالإضافة إلى عدم توزيع تلك الإستثمارات بشكل عادل ومنصف بين لمحافظات الإقليم، بحيث تتمركز غالبية المشاريع الإستثمارية في أربيل وتليها محافظة السليمانية، أما محافظة دهوك فإن نسبة المشاريع الإستثمارية سواءاً أكانت الأجنبية أو المحلية أو الإستثمارات المشتركة قليلة جداً مقارنة مع غيرها من المحافظات حيث لا تصل إلى المستويات المطلوب، ويمكن أن يرجع السبب الى ذلك عدم وجود بنية تحتية جيدة في المحافظة، وخير مثال على ذلك عدم وجود مطار دولي في محافظة دهوك، بالإضافة إلى وجود روتين اداري في الدوائر والمؤسسات الحكومية وغيرها. وبالنتيجة النهائية فإن كل ذلك سيؤدي حتماً إلى حدوث التنمية الغير متوازنة وبذلك ستزدهر المحافظة على حساب المحافظة المعنية .

ومن جانب آخر فتوقف وعدم وجود دعم المادي ومنح القروض لفئة الشباب وخاصة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة فاقمت من مشكلة البطالة في الإقليم وزادت من حدتها.

أن أسباب البطالة في جميع البلدان النامية (الفقيرة) لا يمكن أن تكون أحادية الجانب أي الأسباب الإقتصادية فقط أو الأسباب الإجتماعية فقط بل في العادة هي مجموعة من الأسباب الاقتصادية و والاجتماعية والسياسية والثقافية والبيئية وغيرها من أسباب متشابكة ومتداخلة معاً.

فمن أجل تدعيم سوق العمل وخلق فرص العمل للشباب يجب أن نعمل على الجوانب التالية:-

  1. الضَمان: فوجود الخلل في النظام الإجتماعي وعدم قدرتهم على استيعاب أعداد كبيرة من العالمين في نظام الضَمان الإجتماعي يجعل من القطاع الحكومي هدفاً لكل أفراد المجتمع. فبذلك يجب تفعيل الضَمان الإجتماعي وتعامل مع العاملين في القطاع الخاص والمختلط، اسوة بالموظفين في القطاع الحكومي من استحقاقاتهم التقاعدية وحقوقهم الصحية وغيرها، علاوة على شمول كافة العمال والموظفين بقانون العمل لضمان حياة كريمة للعمال وعائلاتهم، وبالتالي توسيع قاعدة الحماية الإجتماعية لشمول فئات أوسع من شرائح المجتمع بالضمان الإجتماعي. وهذا بدوره سوف يخفف الضغط على القطاع الحكومي ودعم القطاع الخاص بشكل مباشر.
  2. التعليم: أن أنظمة التعليم لا تنسجم مع واقع سوق العمل، ولا تتوافق أنظمة التعليم الموجودة حالياً في عموم العراق وإقليم كوردستان مع سوق العمل المتطور وطبيعتة المتغيرة، فهي لا تزود الخريجين بالمهارات المطلوبة والتي تكون في بالغ الأهمية لتحقيق النجاح في أقتصاد اليوم والذي هو إقتصاد معرفي بالدرجة الأولى مثل، مهارات التواصل، والإبداع، التفكير النقدي، حل المشكلات، التعاون، والقدرة على التعامل مع متطلبات الأتمتة الجارية على قدم وساق في العالم، بحيث تشير بيانات المنتدى الإقتصادي العالمي بأن معدل الإعتماد على الآلات في جميع أنواع الوظائف سيرتفع إلى (52%) بحلول عام 2025م، أي سيقسم أصحاب العمل أعمالهم بالتساوي بين البشر والآلات. وبذلك يجب إحداث تغيرات أساسية في مناهج التربية والتعليم العالي وزيادة الإهتمام بالتعليم المهني وتوفير المختبرات والمستلزمات اللازمة لخلق حالة من التوافق بين اعداد الخريجين ومتطلبات سوق العمل.
  3. التدريب المهني: إنخفاض مراكز التدريب والتأهيل المهني في الإقليم، بالإضافة إلى إنخفاض عدد المهن في مؤسسات التدريب والتأهيل المهني قد اثرت بشكل سلبي على توفير فرص العمل، وساهمت بشكل ملحوظ على زيادة معدلات البطالة، إذ توجد في العالم أكثر من (2000) مهنة، في حين تقتصر مراكز التدريب والتأهيل في الإقليم على (19) مهنة فقط. وبذلك يجب زيادة أعداد مراكز التدريب والتأهيل المهني، وفتح الدورات للعاطلين عن العمل ولجميع المهن وليست لمهن محددة فقط.
  4. القطاع الخاص: يمثل القطاع الخاص أهمية كبيرة في اقتصاديات الدول المتقدمة فهي ركيزة أساسية في نجاح الإقتصاد الوطني لما له من دور كبير وفعَال في النشاطات الإقتصادية المتعددة في الكثير من المجالات التي يمكن أن تعمل على توفير فرص العمل بإعداد كثيرة. والقطاع الخاص له تجربته الطويلة منذ عقود مضت في استثمار القطاعات الإقتصادية المختلفة كالقطاع الزراعي والصناعي والسياحي والخدمي وغيرهم، لكن عانت من التأرجح ما بين التطور والتدهور متأثرا بالمشاكل والتحديات المتمثلة بعدم الإستقرار الإقتصادي والسياسي والقانوني ممَا أضعفت دوره كقطاع ريادي ومشارك فعَال في أحداث التنمية الإقتصادية وزيادة معدلات النمو الإقتصادي عموماً وبالتالي خلق فرص العمل وتقليل من معدلات البطالة. لذلك يجب دعم المستثمرين والقطاع الخاص وإتاحة الفرصة أمامهم للمنافسة ومنع الإحتكار في جميع المجالات الإقتصادية، لأن المنافسة تزيد الإنتاجية وتحسن من جودة المنتجات.
  5. تدفق العمالة الأجنبية إلى الإقليم: تزداد أزمة البطالة في الإقليم إتساعاً بفعل العمالة الأجنبية الداخلة للإقليم، وكشفت وزارة العمل والشؤون الإجتماعية في حكومة إقليم كوردستان، اليوم الأحد (22) تشرين الأول (2023) عن عدد العمال الأجانب العاملين في الإقليم . وقال المتحدث بإسم الوزارة آريان أحمد في حديث ل (بغداد اليوم) أن عدد العمال الأجانب المسجلين رسمياً في الوزارة يبلغ (8) آلاف عامل، وليست وزارة العمل والشؤون الإجتماعية وحدها المعنية بجلب العمالة الأجنبية إذ يضاف لها الهيئة العامة للإستثمار في الإقليم ووزارة الثروات الطبيعية وشركاتها النفطية، إضافة إلى النازحين والمهاجرين الذين لجئوا إلى الإقليم، وبذلك فإن المجموع الكلي لأعداد العاملين الأجانب الذين يعملون في الإقليم يتجاوز (40) ألف عامل، وهذا بدوره قد أثر وبشكل كبير في زيادة معدلات البطالة في الإقليم في ظل الأزمة المالية والأقتصادية الخانقة التي عصفت بالإقليم جراء جائحة كورونا والحرب ضد تنظمات داعش الإرهابي وكذلك قطع ميزانية الإقليم من قبل الحكومة الإتحادية. وبذلك ينبغي التشديد على قضية منح الرخص للشركات الأجنبية وإلزامها بتشغيل أبناء الإقليم حسب النسب التي حددها مجلس الوزراء في حكومة إقليم كوردستان، وهي نسبة (75%) للعمال المحليين ونسبة (25%) للعمال الأجانب ذوي المهارات الغير متوفرة في الإقليم.

وأخيراً يمكن القول أن عدم معالجة مشكلة البطالة في العراق عموماً وإقليم كوردستان خصوصاً تمثل قنبلة موقوتة لأن أعداد العاطلين عن العمل في تزايد بوتيرة تصاعدية ، والبطالة تعني الفقر والجوع والحرمان الإجتماعي والبؤس وعدم الإلتحاق بالمدارس والمراحل التعليمية المختلفة، وأن معدل نمو السكان الإنفجاري والاعداد الهائلة من خريجي المعاهد والجامعات سنوياً تضيف بإستمرار ثقلا لجيش العاطلين عن العمل، وبالتالي يؤدي إلى ضياع الطاقات الشبابية. إضافة إلى ذلك فإن عدم إيجاد فرص العمل للشباب تعني الديون والتشرد والتوترات العائلية والأنهيار، والملل، والعزلة، والجريمة، وتآكل الثقة وفقدان إحترام الذات، وتوجهم لبعض السلوكيات السيئة مثل القمار وشرب الكحول وتعامل بالمخدرات والتدخين وغيرها.

المصادر:-

  1. قاسم، د.نسرين غالي، وشبر، إالهام خضير، دور القطاع السياحي العراقي الخاص في التوظيف وتوفير فرص العمل (واقع وتحديات)، مجلة العراقية للعلوم الاقتصادية، مجلد (20)، عدد (75)، 2022م.
  2. 2- عامر، طارق عبدالرؤوف محمد، البطالة- أسبابها- خصائصها- إتجاهات عربية وعالمية، القاهرة، دار العلوم للنشر، 2016م.
  3. 3- د.دحلان، عبداله صادق، والآخرون، كارثة الفقر في العالم العربي- الواقع والحلول، المركز العربي السويسري للبحوث التشغيل وحقوق الإنسان في العمل، 2003م.
  4. هيئة إحصاء إقليم كوردستان- العراق، وزارة التخطيط في حكومة إقليم كوردستان، 2021م.
  5. منصور، فاتن علي، البطالة وأثره على التنمية الاجتماعية، رسالة ماجستير، جامعة تشرين، كلية الاقتصاد، قسم الإحصاء والبرمجة، 2014م.